تواجه حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاستهداف الحوثيين في اليمن رداً على هجماتهم على السفن الإسرائيلية عقباتٍ عدة، من بينها محدودية الأسلحة الأمريكية وعودة الحرب على غزة، فضلاً عن إحجام شركات الشحن الدولية عن استئناف الملاحة في البحر الأحمر مع تصاعد العنف في المنطقة.
وكان ترامب قد وجّه في 15 مارس/آذار 2025، بشنّ غارات جوية وبحرية واسعة النطاق على عشرات الأهداف في اليمن، في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وتقول الولايات المتحدة إنها ستواصل قصف اليمن حتى يتوقف الحوثيون عن استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل.
وشنّت جماعة الحوثي، التي تسيطر على معظم أنحاء اليمن منذ عشر سنوات، هجماتٍ على السفن قبالة السواحل اليمنية، بدأتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بعد أن شنّ جيش الاحتلال الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، قائلةً إنها تفعل ذلك دعماً للفلسطينيين في القطاع المحاصر.

وتسببت هجماتها في تعطيل التجارة العالمية، التي يستقبل البحر الأحمر ما يقرب من 15% منها، ودَفعت الجيش الأمريكي إلى شنّ حملةٍ لاعتراض الصواريخ والطائرات المسيّرة التي استنفدت الكثير من مخزونات الدفاعات الجوية الأمريكية.
ونجح الحوثيون في استهداف العديد من السفن المرتبطة بإسرائيل أو التي تتجه نحوها، ما أدى إلى خسائر اقتصادية كبيرة في موانئ الاحتلال مثل ميناء إيلات.
فيما أجبرت هجمات الحوثيين خلال الـ15 شهراً الماضية الكثير من السفن التجارية الغربية على اتخاذ طريق أطول وأكثر تكلفة حول الساحل الجنوبي لأفريقيا، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف التأمين والتأثير في معدلات التضخم على مستوى العالم.
عقبات أمام حملة ترامب ضد الحوثيين
أولاً: صعوبات سياسية وعسكرية
تصطدم حملة القصف الأمريكية، التي بدأت قبل أيام، بالقيود السياسية والصناعية الأمريكية، وفقاً لتقريرٍ لمجلة بوليتيكو الأمريكية، ويشمل ذلك:
- مخزوناتٌ محدودةٌ من الأسلحة الدقيقة
- أزمةٌ إقليميةٌ أوسعُ نطاقاً
- عزمُ الحوثيين على عدم التراجع، حتى في مواجهةِ قوةٍ عسكريةٍ عظمى
- التحركُ الأمريكيُّ المنفرد
وأضافت المجلة الأمريكية أن الحوثيين بالفعل نَجَوا من عشرات الغارات الجوية والصاروخية التي شنتها إدارة بايدن السابقة.
وبينما يُصرّ البيت الأبيض على أن هذا الوضع سيتغير تحت قيادة ترامب، يواجه المسؤولون الأمريكيون أيضاً تفاقم التوترات في الشرق الأوسط، بما في ذلك احتمالية تصاعد الحرب بشكلٍ أكبر في غزة، التي استؤنفت من جديد بعدما شنّ جيش الاحتلال غاراتٍ مكثفةً على القطاع منذ فجر الثلاثاء الماضي، أسفرت عن سقوط ما يقرب من 600 شهيد.
ونقلت بوليتيكو عن بلال صعب، المسؤول الدفاعي السابق في إدارة ترامب الأولى، قوله: "اتركوا الأمر للحوثيين، سيقاتلون حتى آخر رمقٍ في حركتهم. إنهم لن يستسلموا ويرحبون بهذه المعركة مع الولايات المتحدة".
وستكون أي حملةٍ أمريكيةٍ مستدامةٍ ضد الحوثيين مختلفةً عن حملة القصف في عهد بايدن، سواء من حيث النطاق أو الشدة.
وكانت إدارة بايدن قد نسقت، خلال عامَي 2023 و2024، مع فرنسا وبريطانيا، في إطار تحالفٍ أوسع لتشكيل قوة حماية بحرية متعددة الجنسيات لدعم الملاحة في البحر الأحمر تحت اسم "حارس الازدهار". ولا يبدو أن إدارة ترامب مهتمة بإعادة تشكيل مثل هذا التحالف.
وقالت دانا سترول، المسؤولةُ العليا في البنتاغون لشؤون الشرق الأوسط في عهد إدارة بايدن: "إن العنصر المهم والمفقود هذه المرة هو العنصر المتعدد الجنسيات".
كما أن حملة القصف قد تزيد من أعباء إمدادات الأسلحة الأمريكية، التي تكافح بالفعل لمواكبة شحنات الأسلحة المستمرة إلى أوكرانيا منذ ثلاث سنوات، والجهود السابقة ضد الحوثيين، ودعم الترسانة العسكرية الإسرائيلية، والدفاعات ضد الهجمات الإيرانية.

وأطلقت الولايات المتحدة أكثر من 800 صاروخ خلال حملتها الجوية ضد الحوثيين في اليمن عام 2024، بما في ذلك 135 صاروخاً من طراز توماهوك للهجوم البري، التي تكلّف ما يصل إلى 2 مليون دولار لكل منها، إلى جانب 155 صاروخاً قياسياً من السفن الحربية الأمريكية، والتي تكلّف ما بين 2 مليون دولار و4 ملايين دولار لكل صاروخ.
وقد يُطيل تغييرُ البروتوكول أيضاً أمد القتال؛ فترامب، على عكس بايدن، يُتيح للقادة العسكريين في المنطقة تحديد توقيت ومكان شنّ الضربات، بدلاً من الرئيس.
وسوف يؤثر دور إيران والنفوذ الذي تتمتع به على الحوثيين أيضاً في مدة استمرار القتال.
وقال خبراء في شؤون الشرق الأوسط إن الحوثيين أظهروا قدرتهم على مقاومة قواتٍ أكبر بكثير، والتصرف بشكلٍ مستقلٍّ عن الإيرانيين.
ونقل تقريرٌ لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن جاك كينيدي، رئيس إدارة مخاطر الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس، قوله: "إن الحل العسكري وحده، وخاصة الحل الذي يركز على الضربات الجوية، من غير المرجح أن يكون كافياً لهزيمة الحوثيين من خلال وقف نشاطهم الهجومي بشكلٍ دائم".
ثانياً: إحجام شركات الشحن عن استئناف الملاحة في البحر الأحمر
وبينما قد تستغرق إعادة شركات الشحن إلى البحر الأحمر وقناة السويس أشهراً عديدة، قال مسؤولون في قطاع الشحن البحري إنهم لا يخططون للعودة إلى البحر الأحمر حتى يتم التوصل إلى اتفاقِ سلامٍ واسعِ النطاقِ في الشرق الأوسط يشمل الحوثيين أو هزيمةٍ حاسمةٍ لهم، بحسب تقرير نيويورك تايمز.
ولأكثر من عام، تجنّبت شركات النقل البحري بشكلٍ كبيرٍ البحر الأحمر، مرسلةً سفنها حول الطرف الجنوبي لأفريقيا للوصول من آسيا إلى أوروبا، وهي رحلةٌ تمتدّ حوالي 3500 ميلٍ بحري وتستغرق 10 أيامٍ أطول.
وقد تكيّف قطاع الشحن إلى حدٍّ كبيرٍ مع هذا الاضطراب، بل واستفاد حتى من ارتفاع أسعار الشحن بعد أن بدأ الحوثيون في مهاجمة السفن التجارية.
وفي فبراير/شباط الماضي، قال فينسنت كليرك، الرئيس التنفيذي لشركة ميرسك، وهي شركة شحن مقرها كوبنهاغن: "إما أن يكون هناك انهيارٌ كاملٌ لقدراتهم، أو وجود نوعٍ من الاتفاق".
وبعد الضربات الأمريكية هذا الأسبوع، صرّحت شركة ميرسك بأنها ما زالت غير مستعدة للعودة. وصرّح متحدثٌ باسم الشركة في بيان: "مع إعطاء الأولوية لسلامة الطاقم، وثبات سلسلة التوريد وقابليتها للتنبؤ، سنواصل الإبحار حول أفريقيا حتى يصبح المرور الآمن عبر المنطقة أكثر استدامة".
ورغم تقليص الحوثيين هجماتهم على الشحن التجاري بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ في يناير/كانون الثاني الماضي، والذي رفض الاحتلال تنفيذ المرحلة الثانية منه، إلا أن خطوط الشحن الكبرى لم تعد بعدُ إلى البحر الأحمر على نطاقٍ واسع.
وفي فبراير/شباط الماضي، عبرت نحو 200 سفينةِ حاوياتٍ مضيقَ بابِ المندب. ويمثل هذا الرقم ارتفاعاً من 144 سفينةً في فبراير/شباط 2024، ولكنه أقل بكثيرٍ من أكثر من 500 سفينة قبل بدء هجمات الحوثيين، وفقاً لبياناتٍ من شركة لويدز ليست إنتليجنس، وهي شركة تحليل شحن.

ولم تتعجّل السفن في العودة إلى العمل، جزئياً لأن المسؤولين التنفيذيين يخشون أنهم قد يُضطرون إلى إجراء تغييراتٍ باهظةِ التكلفة ومفاجئة في عملياتهم إذا أصبح المرور عبر البحر الأحمر خطيراً مرةً أخرى.
كما أن الطريق البديل حول أفريقيا، على الرغم من كل ما يترتب عليه من تكاليف إضافية، عزّز أرباح شركات الشحن.
فالشركات كانت قد طلبت مئاتِ السفنِ الجديدة عندما كانت تتمتع بوفرةٍ من السيولة النقدية نتيجة ازدهار التجارة العالمية خلال جائحة كورونا.
وعادةً ما يؤدي فائض السفن إلى انخفاضِ أسعار الشحن، لكن هذا لم يحدث هذه المرة، لأن السفن اضطرت إلى استخدام طريق أفريقيا، مما زاد من الحاجة إلى السفن ورفع الأسعار على جميع طرق الشحن العالمية الكبرى.
0 تعليق