السباق على المعادن الأرضية النادرة.. هل مناجم الكونغو هي الصفقة القادمة على طاولة ترامب؟ - إقرأ

عربى بوست 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

منذ وصول لترامب للحكم بعد فوزه بفترة رئاسية جديدة٬ لم يلبث الرئيس الأمريكي طرح مشاريع نفوذ وتوسع أو سيطرة جنونية٬ أو طرح صفقات اقتصادية تحت الضغط٬ مع دول عدة تحتفظ بالمعادن النفيسة أو النادرة٬ فمن جرينلاند إلى أوكرانيا وكندا وبنما وغيرها من المناطق٬ يطارد ترامب الموارد طبيعية "غير مستغلة" وخصيصاً المعادن الأرضية النادرة في إطار سباقه مع الصين٬ وهي الموارد التي باتت تدخل اليوم في الصناعات المتطورة والدقيقة التي تدر تريليونات الدولارات٬ من أنظمة الأسلحة المتقدمة والصواريخ الفضائية إلى تقنيات الطاقة الخضراء والبطاريات وصناعات السيارات والأجهزة الذكية وغيرها الكثير. 

وفي إطار هذا السباق المحتدم مع الصين على هذه الكنوز التي ستشكل الاقتصاد العالمي للعقود القادمة٬ لن يفكر الرئيس الأمريكي مرتين إذا ما استطاع الحصول على مقدرات دولة أفريقية غنية بالمعادن النادرة مثل الكونغو٬ التي تعد إحدى أكثر المناطق في العالم امتلاكاً لاحتياطيات المعادن النفيسة مثل الكوبالت على سبيل المثال٬ على الرغم من فقرها الشديد والحروب التي تمزقها منذ وقت طويل.

مطاردة المعادن النفيسة.. هل الكونغو هي الصفقة القادمة بالنسبة لترامب؟

  • تتحدث تقارير أمريكية عن أن زعيم الكونغو صفقة على الطاولة للرئيس ترامب: مساعدة بلاده على هزيمة قوات متمردة قوية مقابل الوصول إلى كنز من المعادن التي تحتاجها شركات التكنولوجيا الفائقة الأمريكية. حيث صرح مسؤولون كونغوليون لوسائل الإعلام أن جمهورية الكونغو الديمقراطية تجري "اتصالات يومية" مع حكومة الولايات المتحدة بهدف تأمين صفقة "المعادن مقابل الأمن".
  • وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إنه في رسالة إلى ترامب بتاريخ 8 فبراير/شباط، عرض فيليكس تشيسكيدي، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فرص التعدين لصندوق الثروة السيادية الأمريكي، الذي أطلقه ترامب. وكتب تشيسكيدي في الرسالة التي اطلعت عليها الصحيفة الأمريكية: "لقد بشّر انتخابكم بعصر ذهبي لأمريكا٬ ستوفر شراكتنا للولايات المتحدة ميزة استراتيجية من خلال تأمين معادن حيوية مثل الكوبالت والليثيوم والنحاس والتنتالوم من جمهورية الكونغو الديمقراطية".
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – رويترز
  • في المقابل، طلب تشيسكيدي من ترامب "اتفاقية أمنية رسمية" لمساعدة جيشه في هزيمة حركة إم23، وهي جماعة متمردة مدعومة من رواندا هزمت مؤخراً جنوداً كونغوليين وقوات الأمم المتحدة ومرتزقة خاصين واستولت على مدن رئيسية في شرق الكونغو الغني بالمعادن. ولم تحدد الرسالة الكونغولية نوع الدعم العسكري الذي تريده من الولايات المتحدة. وقال مسؤول في البيت الأبيض للصحيفة٬ إن الرسالة "لا تقدم تفاصيل عن المراسلات الخاصة مع الرئيس".
  • وبسبب الحرب المستمرة٬ قُتل ما لا يقل عن 7000 شخص منذ يناير/كانون الثاني وحتى نهاية شباط/فبراير 2025، وفقاً لحكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية٬ ونزح آلاف آخرون.
  • يأتي هذا العرض في الوقت الذي يُجري فيه الرئيس تشيسكيدي مفاوضات مع إريك برينس، حليف ترامب ومؤسس شركة "بلاك ووتر" العسكرية الخاصة المثيرة للجدل. وفي حال نجاح المحادثات، سيساعد برينس الحكومة الكونغولية في تحصيل الضرائب من عمليات التعدين وتأمينها، وفقاً لما قاله مسؤولون كونغوليون وغربيون لـ"وول ستريت جورنال".

ما الذي ستحصل عليه الكونغو من ترامب مقابل المعادن النادرة؟

  • كما هو الحال في أوكرانيا، تحتاج جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى شركاء أمنيين لكسب حربها ضد حركة إم23 وأكثر من 100 جماعة مسلحة أخرى تسيطر على مناجم مربحة في جميع أنحاء البلاد. 
  • وتنشط عشرات الميليشيات المسلحة في براري شرق الكونغو. وتُعدّ الاشتباكات الأخيرة بمثابة ارتدادات للإبادة الجماعية الرواندية التي استمرت 31 عاماً، والتي ذبح فيها من قبيلتي التوتسي والهوتو بمئات الآلاف. وعندما هزمت قوات التوتسي بقيادة الرئيس الرواندي الحالي بول كاغامي منافسيها الهوتو عام 1994، فرّ العديد من المتطرفين الهوتو عبر الحدود إلى الكونغو.
  • ويُمثل الاقتراح الكونغولي للأمريكيين محاولة للاستفادة من نهج ترامب القائم على تقديم الصفقات في السياسة الخارجية، والتسابق العالمي المحموم على الموارد الطبيعية لتزويد شركات التكنولوجيا الأمريكية وعمالقة صناعة السيارات. وفي عرضه، توقع تشيسكيدي أن تُعزز الشراكة مع الكونغو "القدرة التنافسية العالمية لأمريكا في مجالات الطيران والفضاء والسيارات ومراكز البيانات والذكاء الاصطناعي".
  • وأكدت متحدثة باسم تشيسكيدي صحة الرسالة لصحيفة "وول ستريت جورنال"، وقالت إن المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن الوصول إلى موارد الكونغو الطبيعية لا تزال جارية. وأضافت: "من مصلحتنا أن تشتري الشركات الأمريكية – مثل آبل وتيسلا – المعادن مباشرة من مصادرها في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأن تُطلق العنان لثروتنا المعدنية لمصلحة العالم أجمع".
عامل في أحد مناجم الخام بمدينة كولويزي جنوب جمهورية الكونغو ٬ أرشيفية – Getty
  • في الوقت ذاته٬ أرسل وسيط -غير رسمي – مصرفي يقدم المشورة لشركات التعدين في الدولة الأفريقية – خطاب العرض الكونغولي إلى مكتب ترامب، الذي أحاله بدوره إلى مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، وفقاً لشخص مطلع على الأمر. وأضاف المصدر لـ"وول ستريت جورنال" أن المجلس دعا الوسيط بعد ذلك لتقديم إحاطة بشأن المقترح. وفي يوم الاجتماع، كشفت وزارة الخزانة الأمريكية عن عقوبات على وزير الدولة الرواندي للتكامل الإقليمي، جيمس كاباريبي، والمتحدث باسم حركة إم23، لورانس كانيوكا كينغستون، لتورطهما في الصراع في الكونغو. وكانت العقوبات قيد الإعداد قبل وقت طويل من الإعلان عنها، وفقاً للشخص المطلع على الأمر.
  • وأشارت وزارة الخارجية الأمريكية إلى البيان الصحفي الذي فرض عقوبات على المتمردين الكونغوليين والمسؤول الرواندي، لكنها رفضت التعليق أكثر.  وقالت المتحدثة باسم تشيسكيدي: "إن جمهورية الكونغو الديمقراطية مهتمة بالشراكة مع إدارة ترامب لإنهاء الصراع ووقف تدفق المعادن الدموية عبر رواندا".
  • منذ تنصيب ترامب في يناير/كانون الثاني، جعل وصول الشركات الأمريكية إلى الموارد الطبيعية حجر الزاوية في سياسته الخارجية. وركّزت المحادثات الدبلوماسية الأمريكية مع العراق على محادثات استئناف تدفقات النفط للشركات الأمريكية، والتي توقفت منذ عامين بسبب نزاع بين الحكومة في بغداد والأكراد وتركيا. وكانت الموارد الطبيعية أيضًا عاملاً مهماً في تعاملات إدارة ترامب مع فنزويلا وأوكرانيا وروسيا وكندا، في حين وضع الرئيس نصب عينيه جرينلاند، وهي ملكية دنماركية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى احتياطياتها من المعادن النادرة.

ما المعادن النفيسة التي تحتفظ بها الكونغو ويسيل لها "لعاب" ترامب؟

  • تُعد الكونغو دولة غنية بالموارد والمعادن الأرضية٬ ومنتجاً رئيسياً للقصدير والتنغستن والتنتالوم والذهب والكوبالت. تُستخدم هذه المعادن، المعروفة مجتمعةً باسم 3TG، في إنتاج الإلكترونيات ومعدات الدفاع والمركبات الكهربائية وغيرها من التقنيات. تُقدر قيمة الموارد الطبيعية غير المستغلة في جمهورية الكونغو الديمقراطية بنحو 24 تريليـون دولار٬ مما يجعلها واحدة من أغنى بلدان العالم من حيث الموارد الطبيعية.
  • وتحظى الكونغو باحتياطات ضخمة من المعادن النادرة٬ مثل التنتالوم، المُستخرج من الكولتان، والكوبالت٬ وهي معادن مكونة بشكل أساسي في الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، وتستخدمها شركات مثل آبل وإتش بي وإنتل، وغيرها من الشركات الأمريكية. أما الليثيوم، فهو المُكوّن الرئيسي في بطاريات السيارات الكهربائية. في العام الماضي، وصف إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تيسلا وقائد جهود ترامب لتقليص حجم الحكومة الفيدرالية، هذا المعدن بـ"النفط الجديد".
استخراج الكوبالت الخام في مصنع في لوبومباشي، جمهورية الكونغو الديمقراطية- أرشيفية/ Getty
  • ورغم امتلاك الكونغو حصةً كبيرةً من الثروة المعدنية العالمية، إلا أن الشعب الكونغولي لا يجني سوى القليل من الفوائد، إذ تسيطر الجماعات المسلحة والمصالح الأجنبية على معظم عمليات الاستخراج والتجارة. 
  • وفيما يلي نسبة امتلاك الكونغو لاحتياطات أبرز المعادن النفيسة عالمياً٬ حتى عام 2023:

1- الكوبالت: تمتلك الكونغو أكثر من 57% من العرض العالمي للكوبالت٬ وتشير تقديرات الودائع في جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى امتلاكها 6 ملايين طن متري من الكوبالت. ويستخدم هذا المعدن في بطاريات الليثيوم أيون في أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية والمركبات الكهربائية

2- الليثيوم: تمتلك الكونغو أكثر من 4٪ من العرض العالمي لليثوم. يستخدم المعدن في بطاريات الليثيوم أيون في أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية والمركبات الكهربائية.

3- الكولتان: تمتلك الكونغو أكثر من 70٪ من العرض العالمي للكولتان٬ يستخدم هذا المعدن في صناعة ولحام لوحات الدوائر الإلكترونية.

4- النحاس:  تمتلك الكونغو أكثر من 10% من العرض العالمي للنحاس٬ وتشير تقديرات الودائع في جمهورية الكونغو إلى امتلاكها 75 مليون طن متري من النحاس٬ الذي يعد ضرورياً للبنية التحتية الكهربائية والأسلاك وأنظمة الطاقة المتجددة وغيرها.

5- الذهب: تمتلك الكونغو أكثر من 2٪ من العرض العالمي للذهب٬ وتشير تقديرات الودائع في جمهورية الكونغو إلى امتلاكها 600 مليون طن متري (خام) من الذهب. ويستخدم الذهب في المجوهرات وصناعة الإلكترونيات وكأصل مالي للدول.

6- الماس: تمتلك الكونغو وحدها أكثر من 20٪ من العرض العالمي للماس٬ وتشير تقديرات الودائع في الكونغو إلى امتلاكها 150 مليون قيراط من الماس٬ ويستخدم في صناعة المجوهرات٬ كما يستخدم الماس الصناعي في أدوات القطع والحفر والتطبيقات عالية التقنية.

  • وتتركز الثروة المعدنية للبلاد في المناطق الشرقية والجنوبية، وخاصة في محافظات: محافظة كاتانجا الغنية بالنحاس والكوبالت. مناطق شمال وجنوب محافظة كيفو٬ وهي مناطق رئيسية للكولتان والذهب والقصدير والتنجستن. محافظة إيتوري التي تمتلك رواسب ذهبية كبيرة. محافظة مانيما التي تحتوي على رواسب القصدير والتنجستن والكولتان. محافظة كاساي٬ التي تعد موطن عمليات استخراج الماس.

التنافس الأمريكي مع الصين على كنوز الكونغو

  • على الرغم من أن الكوبالت ليس سوى واحد من عشرات المعادن الأساسية، إلا أن سلسلة توريده أصبحت خاضعة لهيمنة صينية فريدة فيما لا تزال الولايات المتحدة متخلفة عن الركب أمام الصين.
  • يُبرز الكوبالت، وهو مكون رئيسي في التقنيات المتقدمة مثل البطاريات والمركبات التي تعمل بالطاقة الشمسية، كتحد جيوسياسي متزايد للولايات المتحدة مع تعزيز الصين قبضتها على سلاسل توريد المعادن الأساسية. تُبرز قضية الكوبالت كيف سيطرت الصين على جزء كبير من هذا المعدن الأساسي، مع تداعيات مباشرة وغير مباشرة على الأمن القومي الأمريكي. كما يُنذر الكوبالت بديناميكية قد تتكرر مع مواد أخرى مثل الليثيوم والمنغنيز ومعادن أرضية نادرة أخرى.
رئيس جمهورية الكونغو فيليكس تشيسكيدي في زيارة سابقة لبكين٬ الصين – رويترز
  • وتزامنت هيمنة الصين على سلاسل توريد الكوبالت العالمية مع توسع نفوذها الاقتصادي والعسكري في الدول النامية، وخاصةً في أفريقيا. منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، أنفقت الصين أكثر من 155 مليار دولار في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مما أدى إلى خلق أسواق جديدة لشركات البناء الصينية، وجعلها بديلاً مشروعًا للتمويل الغربي في مجال البنية التحتية التنموية والتجارية.
  • وعلى الرغم من استثمار الصين رؤوس أموالها في العديد من الدول الغنية بالمعادن، إلا أن جمهورية الكونغو الديمقراطية تتميز بدورها الحيوي في سوق الكوبالت. تُنتج جمهورية الكونغو الديمقراطية 80% من الكوبالت العالمي، وتسيطر الشركات المملوكة للدولة والبنوك الصينية على 80% من إجمالي الإنتاج.
  • ومن بين أكبر عشرة مناجم للكوبالت في العالم، تقع تسعة منها في منطقة كاتانغا جنوب جمهورية الكونغو الديمقراطية. وتمتلك شركات صينية نصف هذه المناجم.
  • وفي مجال تكرير الكوبالت، يحتل قطاع الشركات المملوكة للدولة الصينية موقعاً مهيمناً مماثلاً: إذ تمثل مصافيها ما بين 60% و90% من الإمدادات العالمية. وتعتبر جمهورية الكونغو الديمقراطية عنصراً أساسياً في مكانة الصين في السوق العالمية: إذ يأتي 67.5% من الكوبالت المكرر في الصين من جمهورية الكونغو الديمقراطية.
  • في النهاية٬ تقول مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إن المعادن الحيوية لم تكن أولوية واضحة للسياسة الخارجية الأمريكية خلال العقود الماضية، ولكنها أكثر أهمية مما قد يتصور في عهد ترامب في إطار المنافسة مع الصين. وتشمل هذه المجموعة الواسعة خمسين مادة خام تشكل اللبنات الأساسية لقطاعي الدفاع والطاقة في الولايات المتحدة، بما في ذلك الليثيوم والكوبالت والغاليوم والجرمانيوم والنيكل والعناصر الأرضية النادرة.
  • وتعد المشكلة التي تواجه الولايات المتحدة خلال العقدين الأخيرين وخلال العقود القادمة هي أن الصين أصبحت الآن تسيطر على سلاسل التوريد للعديد من هذه المعادن الحيوية، وخاصة المعادن النادرة. وقد أثبتت بكين استعدادها لممارسة هيمنتها على سلسلة التوريد في الماضي، مما أشعل سباقاً في واشنطن لتنويع مصادرها بعيداً عن قبضة الصين. 
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق