نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل دور الجامعات التقليدي بدأ يتلاشى أمام تحديات العصر؟ - إقرأ, اليوم الأربعاء 30 أبريل 2025 01:58 صباحاً
في ظل التحولات المتسارعة في سوق العمل، وظهور بدائل تعليمية مرنة وأكثر تخصصا، بدأت أصوات متعددة تُشكك في قدرة الجامعات على مواكبة المتطلبات المعاصرة، وبدأت تتزعزع بعض المسلّمات التي طالما ارتبطت بالتعليم الجامعي حيث لم تعد الشهادة الجامعية، كما كانت في السابق، ضمانا للنجاح أو مفتاحا أكيدا لسوق العمل، أو جوازا مضمونا للحصول على وظيفة مرموقة، ولا تمثل بالضرورة مقياسا وحيدا للكفاءة أو النجاح، بل بات الكثيرون يتساءلون عن مدى جدوى السنوات الطويلة داخل أسوارها، مقارنة بما توفره المنصات الحديثة من تعلم عملي وسريع أو أمام ما تمنحه الشهادات المهنية والاحترافية أو المعسكرات التدريبية من تعلم دقيق في مجالات متخصصة؛ ومع هذا التحول، يبرز السؤال المحوري: هل ما زالت الجامعات تمثل حجر الأساس لبناء الفرد والمجتمع، أم أن دورها التقليدي بدأ يتلاشى أمام تحديات العصر؟
شهدت الجامعات عبر التاريخ تقديرا كبيرا بوصفها منارات للعلم ومصانع للعقول، لكن في السنوات الأخيرة بدأت بعض الأصوات تتعالى، مشككة في جدوى التعليم الجامعي، وفي قدرة الجامعات على مواكبة المتغيرات المتسارعة في العالم، فهل نحن فعلا أمام تراجع في ثقة المجتمع بالمؤسسات الجامعية؟ ولماذا يحدث ذلك؟
أحد أبرز أسباب هذا التراجع المحتمل هو الهوة المتزايدة بين مخرجات التعليم الجامعي ومتطلبات سوق العمل، كثير من الخريجين يجدون أنفسهم بلا وظائف، أو مضطرين للعمل في مجالات لا تمت بصلة لتخصصاتهم، وقد يحتاجون إلى شهادات مهنية احترافية أو متخصصة أخرى تدعم الدارسة الجامعية طيلة هذه السنوات، والسؤال: لماذا أصحبت الجامعة لا تكفي؟ ولماذا بدأ يشعر طلابها بأن الجامعة لم تكن أكثر من محطة تقليدية لا تضمن مستقبلا وظيفيا ولا تحقق طموحاتهم؟
وأصبحت الكثير من الشركات والقطاع الخاص يضعون من ضمن المتطلبات الوظيفية الشهادات المهنية والاحترافية أو المتخصصة وفق مجال عملها ويسألون عنها أولا قبل الشهادة الجامعية، والسبب يعود إلى أنها تركز على المهارات العملية المطلوبة فعلا في الوظيفة، وتمنح مؤشرات واضحة على الجاهزية الفعلية لطالبي العمل عكس بعض الشهادات الجامعية التي قد تكون نظرية بحتة، وتُحدَّث بانتظام لتواكب السوق والتقنيات الجديدة عكس الجامعات التي تعتمد على التراث والأطر المعرفية القديمة وبطيئة في مواكبة المستجدات، وتُنجز في وقت أقصر وغالبا ما تكون مدعومة من الشركات العالمية عكس الجامعات التي تحتاج إلى سنوات طويلة وبإجراءات معقدة وفي معزل عن احتياجات سوق العمل والمجتمع وحتى وإن ادعت عكس ذلك.
من جهة أخرى، يبرز التقدم السريع في التكنولوجيا والتعليم الذاتي عبر الإنترنت اليوم إمكانية أن يتعلم الطالب الكثير من المهارات التي يحتاجها سوق العمل مثل البرمجة، والتصميم، أو حتى الإدارة من خلال منصات تعليمية مرنة وعملية، بتكلفة أقل ووقت أقصر، مقارنة بالتعليم الجامعي الرسمي. هذه البدائل بدأت تخلق تحديا مباشرا للجامعات التقليدية، خاصة إذا لم تطور مناهجها وأساليبها بما يتماشى مع روح العصر.
كذلك، لا يمكن إغفال قضية «التعليم مقابل الشهادة»، حيث تحوّلت بعض الجامعات إلى ما يشبه المصانع التي تمنح أو تفرخ الشهادات دون أن تضمن جودة التعليم، ومع تزايد هذه الظاهرة، بدأت تتآكل الثقة، ليس فقط من قِبل الطلبة، بل من قِبل أرباب العمل والمجتمع ككل، وهذه القضية تزداد وضوحا في الدبلومات الجامعية والكثير من التخصصات النظرية التي باتت تشكل عبئا على المجتمع وسوق العمل والاقتصاد، حيث قد تستهلك الجامعات ميزانيات ضخمة دون عائد اقتصادي واضح، خاصة إذا لم يكن هناك ارتباط بين التعليم وسوق العمل.
ولا نغفل المعسكرات التدريبية حيث أصحبت خيارا مفضلا للكثير من الشباب، بخلاف الجامعات التقليدية التي تستغرق سنوات طويلة، تقدم المعسكرات التدريبية تعليما مكثفا وعمليا في فترة قصيرة لا تتجاوز عدة أشهر، ما يجعلها أكثر كفاءة من حيث الوقت والتكلفة، وتركز على المهارات الفعلية المطلوبة في السوق، وهذا يعني أن المتدرب يخرج جاهزا للعمل مباشرة، دون الحاجة لدراسة نظرية طويلة قد لا تنعكس على الواقع المهني، كما أن المعسكرات غالبا ما تبني علاقات مباشرة مع الشركات لتسهيل التوظيف، وتوفر تدريبا عمليا ومشاريع واقعية تضيف قيمة حقيقية لسيرة المتدرب الذاتية.
لكن، وعلى الرغم من هذه التحديات، لا تزال الجامعات تحتفظ بمكانة محورية في تطوير البحث العلمي، وصناعة القادة والمفكرين، وتعزيز القيم الأكاديمية والمجتمعية. المطلوب إذًا هو إصلاح حقيقي لاجتراح دور جديد للجامعة، يجعلها أكثر اتصالا بالواقع، وأكثر قدرة على تهيئة طلابها لمستقبل متغير.
في النهاية، السؤال ليس إن كان المجتمع سيفقد ثقته بالجامعات، بل إن كانت الجامعات قادرة على استعادة هذه الثقة وتجديد رسالتها بما يتلاءم مع زمن لم يعد يعترف بالجمود ولا ينتظر المتأخرين؟
0 تعليق