قبل ساعات من إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي استئناف الحرب على قطاع غزة، شهدت القاهرة اجتماعات مكثفة بين فريق التفاوض الإسرائيلي والأجهزة المصرية وحركة حماس للتباحث بشأن الاقتراح الذي تقدم به المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف الذي يتضمن الإفراج الفوري عن 11 رهينة أحياء ونصف الرهائن القتلى مقابل تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.
ورغم أن الاجتماعات لم تنتهِ بـ "الفشل التام"، بحسب ما كشفت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست"، إذ كانت القاهرة تنوي ممارسة مزيد من الضغوط على الطرفين للوصول إلى نقطة توافق، غير أن الاحتلال فاجأ الجميع ببدء ضرباته على قطاع غزة في الساعات الأولى من فجر الثلاثاء.
إصرار إسرائيلي على إفشال الاتفاق
قال مصدر مصري مطلع على صلة بما دار في الاجتماعات، إن الوفد الإسرائيلي وصل إلى القاهرة مساء الأحد بعد أن جرت تفاهمات بين الوسطاء ودولة الاحتلال بشأن الانفتاح على المقترح الأميركي بشأن تمديد المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار.
وأوضح المصدر أن الاجتماعات هدفت بالأساس للتوافق على تفاصيل العدد المفرج عنه من الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس، ولم يكن هناك تعنت من جانب الحركة بشأن هذا المقترح لكنها اشترطت دخول المساعدات الإنسانية بشكل عاجل.
وأضاف المصدر أن إسرائيل قدمت إسرائيل خلال الاجتماعات العديد من الشروط التي "بدت من خلالها ساعية لإفشال اتفاق وقف إطلاق النار وإيجاد الذرائع التي تمكنها من استئناف الحرب"، على حد تعبيره.

وأوضح المصدر أن إسرائيل شككت مجددًا في عدد الأسرى الأحياء وطالبت بتصوير فيديوهات لهم للتأكد من ذلك، وطالبت بفصل ملف استعادة الأسرى عن اتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما كان مثار رفض من القاهرة وحماس.
كما طالب الوفد الإسرائيلي – حسب المصدر – بالإفراج المباشر عن جميع الأسرى الأحياء للموافقة على تمديد المرحلة الأولى، ولم يكن ذلك محل أي نقاشات قبل الجلوس على طاولة التفاوض.
مرونة المقاومة وتلاعب إسرائيلي
فيما أوضح مصدر آخر بالخارجية المصرية مطلع على المفاوضات الدائرة، أن مصر في المقابل طالبت بانسحاب الاحتلال من ممر فيلادلفيا، وهو كذلك كان مطلب حركة حماس، على أن يتم النظر في إمكانية الإفراج عن عدد من الأحياء بدلاً من عرض الحركة الأساسي والمرتبط بالإفراج عن رهينة إسرائيلي – أميركي وإعادة جثث أربعة آخرين. كما أبدت الحركة موافقة مبدئية على تصوير الرهائن الأحياء شريطة إدخال المساعدات.
وأشار المصدر إلى أن الوفد الإسرائيلي طالب بمهلة لعرض ما جرى التباحث حوله، ولم يقدم أي إشارات على فشل المفاوضات أو الذهاب باتجاه استئناف الحرب، لكن "ذلك كان متوقعًا، لأن المطلب الإسرائيلي بفصل ملف الأسرى عن الاتفاق، كان معبّرًا عن رغبة مبيتة لكسب الوقت أو إيجاد أي ذرائع لاستئناف الحرب"، على حد قوله.
وكانت إسرائيل قد أعلنت عن بدء محادثات في مصر للتوصل إلى اتفاق بخصوص المحتجزين في غزة، وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء الأحد على منصة إكس إنه "بناءً على تعليمات رئيس الوزراء يجتمع فريق التفاوض الآن في مصر مع كبار المسؤولين المصريين لمناقشة قضية الرهائن".
ولا تزال حركة حماس تحتجز 59 أسيراً إسرائيلياً في قطاع غزة، فيما أكد جيش الاحتلال مقتل 35 منهم. وتعتقد الاستخبارات الإسرائيلية أن 22 منهم على قيد الحياة، بينما لا يزال وضع اثنين آخرين غير معروف، ومن بين المحتجزين 5 أمريكيين.

وبحسب المصدر المصري المطلع، فإن ما أقدمت عليه إسرائيل "يأتي في إطار المراوغة التي طالما عمدت على تكرارها"، إذ إنها تنخرط في مفاوضات وتعمل على تقديم شروط، وما إن يتم التباحث حولها تعمل على تصعيد مطالبها وتضع مزيداً من العقد على طريق الحل.
وأوضح أن القاهرة لا تتعامل بحسن نية، وتدرك ما وراء خطوات الاحتلال، غير أن جهود الوساطة تتطلب مزيداً من الصبر لعدم الوصول إلى نقطة اللاعودة، التي تسعى إليها إسرائيل نحو تحميل حماس مسؤولية أي عنف يندلع في القطاع.
وأضاف المصدر ذاته أن حماس أبدت الكثير من التفاهمات بشأن مستقبلها في القطاع، وكذلك تجاوبت بشكل إيجابي مع الخطة المصرية، وكان من الممكن الوصول معها إلى اتفاقات بشأن تمديد المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، غير أن ما حدث هو أن إسرائيل كان لديها نية مسبقة لاستئناف القتال وأرسلت وفداً إلى القاهرة للإيعاز بأنها منفتحة على ما قدمته الولايات المتحدة، في حين أن الواقع يشير إلى حصولها على ضوء أخضر أميركي باستئناف الحرب.
مقترح مصري لوقف إطلاق النار
ذكر المصدر في الخارجية المصرية أن القاهرة أطلعت الولايات المتحدة قبل أيام من اندلاع الحرب بتفاصيل الخطة الأمنية التي يمكن أن تساهم في تهدئة طويلة في قطاع غزة، مع تمكين جهاز شرطة جديد يتم تدريبه في القاهرة والعاصمة الأردنية عمان، إلى جانب عرض الأسماء المزمع أن تتولى لجنة إدارة إسناد القطاع وهي من التكنوقراط، وكانت هناك بوادر إيجابية بشأن تعاطي الولايات المتحدة إيجاباً مع خطة إعادة إعمار غزة قبل أن تهرب إسرائيل للأمام عبر خطوة استئناف الحرب.
وشدد على أن القاهرة تعمل على تقديم مقترح خلال الساعات المقبلة يتضمن الإفراج عن خمسة من المحتجزين لدى حركة حماس بينهم اثنان من أصحاب الجنسيات الإسرائيلية – الأميركية إلى جانب تسليم عدد من الجثامين في مقابل وقف الغارات الإسرائيلية وإطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين.
وأضاف أن القاهرة تعمل على تكثيف اتصالاتها مع الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل للقبول بهذا المقترح في ظل موافقة مبدئية تلقتها من حركة حماس التي طالبت بأن يكون ذلك مصاحباً بإدخال المساعدات إلى القطاع.
وكانت حركة حماس قد أعلنت استشهاد 6 من قياداتها جراء العدوان الإسرائيلي على غزة الثلاثاء، فيما ارتفع عدد القتلى الفلسطينيين إلى 404 وأكثر من 562 مصاباً، بينما لا يزال آخرون تحت الركام الذي خلفه القصف تعمل فرق الإسعاف والدفاع المدني على انتشالهم، حسبما أعلنت وزارة الصحة بالقطاع.
وقال جيش الاحتلال في بيان الثلاثاء إن قواته لا تزال مستمرة في شن الغارات الحربية على مختلف مناطق القطاع، وبالتحديد الأهداف التابعة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، مضيفاً "من بين الأهداف في الساعات الماضية، خلايا مخربين ونقاط إطلاق ووسائل قتالية وبنى عسكرية أخرى كانت تستخدمها المنظمات الإرهابية لتخطيط وتنفيذ أنشطة شكلت تهديداً على قوات الجيش والإسرائيليين".
وبحسب بيان صادر عن دولة الاحتلال، فإن إسرائيل ستعمل من الآن فصاعدًا ضد حماس بقوة عسكرية متزايدة في أعقاب رفضها إطلاق سراح رهائننا، ولجميع المقترحات التي تلقتها من المبعوث الرئاسي الأمريكي ستيف ويتكوف ومن الوسطاء.

دوافع إسرائيل لاستئناف الحرب
وقال مصدر دبلوماسي فلسطيني بالقاهرة، إن دوافع استئناف الحرب ترجع إلى الأزمات التي تحيط برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سواء فيما يتعلق بنزاعه مع رئيس الشاباك أو المستشارة القضائية أو تمرير الموازنة أو تجنيد الحريديم، والأهم هو المحافظة على ائتلافه اليميني على رأس السلطة.
هذا بالإضافة إلى دوافع أخرى ترتبط بتنفيذ مخطط التهجير ودفع الفلسطينيين مرة أخرى إلى الجنوب وتكثيف الضغط على الدولة المصرية لاستقبالهم في مواجهة الخطة العربية لإعادة الإعمار، على حد قوله، مشيرًا إلى أنه يدعي بأن حماس لم توافق على مبادرة المبعوث الأميركي في حين أن الواقع يشير إلى أن الحركة كانت منفتحة عليها شرط إدخال المساعدات.
وشدد المصدر المقرب من دوائر المفاوضات بمصر، أنه بالرغم من أن شروط المبعوث الأميركي كان لا يمكن القبول بها، غير أن القاهرة هدفت لأن تمضي في طريق إنجاح الوساطة في وقت كانت نية إسرائيل هي استئناف الحرب في أقرب فرصة لتفويت الفرصة على عقد جلسة جديدة لمحاكمة نتنياهو كانت مقررة الثلاثاء، وكان ذلك مدفوعًا بضوء أخضر أميركي، لكي يظل نتنياهو في السلطة وبما يساهم في تقوية موقفه في مواجهة أهالي المعتقلين أو المعارضين لسياساته، غير أن ذلك لا يمنع من أن كثيرًا من الإسرائيليين يتساءلون عن جدوى استئناف الحرب في الوقت الحالي، مع عدم النية في الدخول بريًا الآن.
وأوضح أن الوساطة المصرية ستظل قائمة وتحاول الوصول إلى حلول من خلال إقناع الإدارة الأميركية بخطورة الاستمرار في خطط التهجير واستمرار العنف في القطاع، وفي الوقت ذاته فإنها ستضغط أيضًا على حماس لتقديم مزيد من التسهيلات خلال الأيام المقبلة للوصول إلى اتفاق جانبي لوقف إطلاق النار يهدف لاستعادة الهدوء في القطاع، مشيرًا إلى أن القاهرة لا تهدف لمنح أي مبررات لنتنياهو للاستمرار في جرائمه.
تعثر إتمام الاتفاق
وفشل الوسطاء في مصر وقطر وأمريكا في استكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد إتمام المرحلة الأولى منه بإطلاق حماس سراح 33 محتجزًا بينهم 8 قتلى، فيما أفرجت إسرائيل عن 1800 معتقل فلسطيني في سجونها.
وكان مقررًا أن تبدأ المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق بعد انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا، لكن إسرائيل لم تنسحب ورفضت الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية وطالبت بتمديد المرحلة الأولى واعتمدت مقترح مبعوث الرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف لوقف إطلاق النار في قطاع غزة خلال شهر رمضان وعيد الفصح.
وخلال الأيام القليلة الماضية عُقدت مفاوضات في القاهرة والدوحة وواشنطن لوفود حماس وإسرائيل لبحث أشكال مختلفة من الاتفاقات للإفراج عن المحتجزين وإبعاد حماس عن إدارة قطاع غزة، لكن جميعها لم تكن إيجابية لتعلن إسرائيل اليوم عودة القصف لغزة واستهداف قادة حماس.
وأدانت الخارجية المصرية في بيان لها الهجوم واعتبرته "يشكل انتهاكًا صارخًا لاتفاق وقف إطلاق النار، وتصعيدًا خطيرًا ينذر بعواقب وخيمة على استقرار المنطقة"، وطالبت المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لوقف العدوان "للحيلولة دون إعادة المنطقة لسلسلة متجددة من العنف والعنف المضاد، وتطالب الأطراف بضبط النفس وإتاحة الفرصة للوسطاء لاستكمال جهودها للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار".
وقال مصدر دبلوماسي بالخارجية المصرية، إن إسرائيل خالفت مجدداً قواعد القانون الدولي واستمرت في نقض تعهداتها بعد أن بذل الوسطاء جهودا لأكثر من 15 شهرا سعت خلالها دولة الاحتلال لوضع كل ما تملك من عراقيل لإفشالها.
وأشار إلى أن القاهرة تلقت خلال الأيام الأخيرة قبل استئناف الحرب طرحاً مختلفاً لما تنص عليه بنود المرحلة الأولى والثانية من اتفاق وقف إطلاق النار يشكل خروجاً عن الاتفاق لتنفيذ خطط التهجير، وتزامن ذلك مع ممارسة إسرائيل القتل العمد وخالفت البروتوكول الإنساني ومنعت دخول المعدات ورفضت الانتقال للمرحلة الثانية.
وذكر أن مصر كانت مدركة منذ بداية مفاوضات وقف إطلاق النار أن هدف التهجير حاضر في عقل المخطط الصهيوني الديني، ولذلك فهي سارعت خطوات تقديم خطتها لإعادة إعمار غزة وضغطت باتجاه استكمال الانسحاب الإسرائيلي من القطاع ودعت إلى مؤتمر دولي حظيت من خلاله على دعم الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والدول العربية والإسلامية، وفي الوقت ذاته شاركت مع الوسطاء لصياغة جهود إطلاق المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، لكنها فوجئت برؤية أمريكية تتوافق مع رؤية نتنياهو عبر المقترح الذي تقدم به المبعوث الأميركي.
ولفت إلى أن هذه الرؤية كان من الصعب تمريرها ومع ذلك سعت القاهرة للوصول إلى نقاط التقاء قبل أن تصطدم بالجريمة الوحشية الإسرائيلية على قطاع غزة فجر الثلاثاء، مشيرا إلى أنها تسعى الآن لاستعادة زمام المبادرة عبر إطلاق عملية تفاوضية جديدة إلى جانب تكثيف الاتصالات الرئاسية وعلى مستوى وزير الخارجية مع أطراف عربية وأوروبية للضغط نحو استعادة الهدوء في غزة مع طرح رؤية مصرية سوف تتبلور بشكل أكبر خلال الساعات والأيام المقبلة والعمل على إقناع الولايات المتحدة بها.
وذكرت الرئاسة المصرية، الثلاثاء، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي وأمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أجريا اتصالا هاتفيا تناولا فيه العلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية لا سيما في غزة، وحذرا من استمرار الهجمات على القطاع.
وقالت الرئاسة في بيان "حذر السيد الرئيس وأمير الكويت من استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة وما سوف يترتب عليها من تداعيات إنسانية وتدهور للوضع وتوسع للصراع الإقليمي وتقويض فرص السلام والاستقرار في المنطقة".
ووصف الجانبان الغارات بأنها "انتهاك صارخ للقانون الدولي لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه، و(تأتي) في إطار المساعي المبيتة لجعل قطاع غزة غير قابل للحياة لدفع الفلسطينيين من أهالي القطاع للهجرة".
0 تعليق